الواقع الإستراتيجي لأميركا في المنطقة

{title}
أخبار الأردن -

د. محمد حسين المومني

في نقاشات جرت مؤخرا مع مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، تطرق الحديث لعديد من الملفات الإقليمية ليتسنى معرفة الموقف الإستراتيجي منها. كان الطرح الأميركي يميل للبراغماتية بوضوح، وربما أقوى ما فيه أن الولايات المتحدة لم ولن تنسحب من المنطقة، أو تعيد التموضع خارجها، لأن ثمة مصالح كبيرة لها في الشرق الأوسط، بدءا من ملفات الطاقة، وضرورة تأمين طرق التجارة البحرية المهمة، وليس انتهاء بملف التطرف والإرهاب، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، اللذين يؤثران على الأمن والاستقرار. أميركا لم تغلق سفارات ولا هبط منسوب اشتباكها في المنطقة، وإن التزايد والتناقص بأعداد قواتها في العراق وسورية لا يدلل بالمطلق على نية الابتعاد عن هذه المنطقة المهمة إستراتيجياً. استخدام أدوات دبلوماسية وسياسية ومساعدات، والحديث مع الأطراف والضغط عليهم أو دعمهم، يدلل على استمرار الاشتباك الإستراتيجي في المنطقة. فكرة إعادة التموضع التي أتى بها أوباما، أو رغبة ترامب في المغادرة والابتعاد عن الحروب في المنطقة، لا تعني أن أميركا لا تدرك أهمية الشرق الأوسط فثمة مصالح حيوية لأميركا فيه، ويبدو الحديث للمسؤولين الأميركيين وما بين سطوره متسقا مع ما قاله بايدن في زيارته للسعودية ومقالته في وول ستريت جورنال إن أميركا تدرك أهمية الشرق الأوسط ولن تنسحب منه.

في ملف التقارب السعودي الإيراني والدور الصيني، أميركا تراه يصب في الأمن والاستقرار الإقليمي، وقد كانت بصورة التفاصيل منذ البداية وتنسيق مع السعوديين، وإن الصين كانت مضيفا وليس وسيطا وبطلب إيراني، وإذا ما كانت النتائج الأساسية تصب بصالح بيئة إستراتيجية أفضل وخفض التوتر، أو تهدئة وحل مشكلة الأزمة اليمنية، فهذا تماما ما ترغب به الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة. أميركا لكن تشكك في أن تلتزم إيران بالتفاهمات الأخيرة، فليس هناك ما يدلل على أنها بصدد إحداث تحول إستراتيجي لتصبح قوة إقليمية بناءة تبتعد عن العبث بالاستقرار الإقليمي مباشرة أو من خلال أذرعها.

أما في الملف السوري وقانون قيصر، فلا تزال أميركا ترى ضرورة معاقبة سورية، لكنها بحال من الأحوال لا تريد أن يؤذي قانون قيصر حلفاءها بالمنطقة، فليس هذا هو المطلوب ولا المرغوب. لهذا ترانا نراقب دولا حليفة لأميركا ماضية بإعادة سورية للجامعة العربية والانفتاح عليها، للقناعة أن هذا سيساعد سورية على التغلب على تحدياتها ويسرّع من مغادرة القوات الأجنبية لأراضيها منها الإيرانية، ويعاون سورية على ضبط الحدود والتهريب وعودة اللاجئين. الحديث مهم ويدل أن الأجواء مهيأة لنقاش هادئ حول نجاعة قانون قيصر.

ملف آخر حضر بقوة في النقاشات وهو إسرائيل وحل الدولتين المهم للأردن، فلا تزال تراه الولايات المتحدة الحل والرؤية الأمثل التي تصبّ في صالح الجميع بما فيها إسرائيل، وإن أميركا تتحدث مع إسرائيل وهذا جزء من ضغط تمارسه يوميا عليها، وقد رأينا أن آخر ذلك ما حدث في رمضان، حيث أسهم الضغط الأميركي لوقف الاقتحامات ومرور رمضان بهدوء نسبي.

ثمة تقدير عال من قبل أميركا للرؤية والدور الأردني، وتفتخر أميركا بصداقة الأردن والاستماع لنصائحه دوما، لأنها الأكثر مصداقية واحترافية وتصب في صالح الأمن والاستقرار في الإقليم.

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير